فهد المؤمن
غالباً ما يمر الاستثمار العقاري بتنوعات وتقلبات مزاجية بناء على معطيات السوق وتنبؤات المتداولين بالسوق، ولنبدأ بالعوامل الرئيسية وبعض الشواهد التاريخية لتأثير هذه العوامل على مجريات حركة السوق العقاري واتجاهات الاستثمار فيه.
أول هذه العوامل هي السيولة المتداولة في السوق والمؤثر الأكبر لهذه السيولة هو ارتفاع وانخفاض أسعار فائدة البنوك والتي تؤثر بشكل مباشر على التمويلات وضخ أو سحب السيولة في السوق بشكل عام والسوق العقاري بشكل خاص.
ومن الشواهد ماحدث ابان الفترة من 2003 إلى 2008 حيث عادت الأموال المهاجرة من الخارج بعد سقوط صدام حسين وأيضا بعد ظهور المنتجات التمويلية من الشركات الاستثمارية والبنوك الإسلامية مثل بيت التمويل الكويتي، وآنذاك كان شكل الاستثمار العقاري منصبا في المضاربة و التطوير العقاري خصوصاً في العقار السكني و أيضا بالعقار الاستثماري. لكن العقار السكني كان في بداية دخوله كلاعب جديد في السوق العقاري كاستثمار عقاري واعد لذلك كان هو الشكل الطاغي على الاستثمار لا سيما في التطوير العقاري مثل بناء الفلل وبيعها في مناطق مثل جنوب السرة والمنقف والفنطاس والعقيلة، حتى سجلت القيمة التداولية رقما جديدا في نهاية 2007 تجاوز 4.7 مليار دينار مقارنة بـ 2.8 مليار فقط في عام 2006، ثم هبطت في 2008 إلى نحو 2.76 مليار بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية عام 2008.
وقد نجح السوق في إعادة ترتيب اوراقه وعادت العجلة للدوران و بدأت المضاربات في 2010 وذلك بعد نزول أسعار الفائدة ليعود السوق ويحقق قيمة تداولية جديدة في نهاية 2014 بلغت 4.88 مليار دينار، لذلك وضعنا عامل السيولة في مقدمة العوامل المؤثرة في توجه السوق الاستثماري العقاري.
أما العامل الثاني المؤثر فهو القوانين والتشريعات وغالبا هذا العامل يكون له تأثير مؤقت إلى أن يستوعبه السوق العقاري فيقوم المتداولون بتحديد البوصلة الاستثمارية فيه مثلما حدث في عام 2008 بعد إيقاف الشركات عن التداول بالسكن الخاص ورفع قيمة الضريبة على الأراضي الفضاء فاختفى حينها الاستثمار بالتطوير العقاري بالسكن الخاص واتجه التطوير للعقار الاستثماري واكتفى المستثمرون بالسكن الخاص بالمضاربات بالأراضي الفضاء وأيضا في بناء الفلل بنظام الشقق وتأجيرها واعادة بيعها على عائد الدخل.
أما المؤثر الثالث هو العوامل الجيوسياسية وهذا العامل تأثيره ليس مباشرا تماما على السوق العقاري ولكن تأثيراته على أسعار النفط التي تلقي بظلالها على الميزانية العامة للدولة لذلك يكون هناك تأثير نفسي للمتعاملين بالسوق العقاري ومتابعة تأثير هذا العامل على مدخول الأفراد بالدولة لتحديد التوجه الاستثماري.
وبعد سرد هذه العوامل الرئيسية التي تم اختصارها بشكل كبير فنجد أن هذه العوامل اجتمعت منذ نهاية 2022 لتؤثر على شكل التوجه الاستثماري في سنة 2025 حيث أن رفع معدلات الفائدة بعد التضخم الذي ساد الأسواق أثر في سيولة السوق العقاري وساهم ارتفاع اسعار الفائدة على الودائع في سحب السيولة من السوق، كما أن التشريعات والقوانين الخاصة في الضريبة على الأراضي الفضاء من بعد مساحة 1500 متر أثارت ربكة في التداول والمضاربة بالأراضي الفضاء ويسود الموقف حاليا ترقب لما ستؤدي اليه هذه التشريعات وهل ستطرح أراضي سكنية بشكل كبير بالسوق، وأيضا التشريعات الخاصة بتحويل القسائم الصناعية وزيادة رسوم التحويل عليها أدى إلى تباطؤ شديد في التداول على هذه القسائم التي احتلت مركزا جيدا بالتداول خصوصاً بعد جائحة كورونا.
لذلك نرى المزاج الاستثماري لسنة 2025 آخذا في الاتجاه للعقار الاستثماري وتطويره وبيعه خصوصاً من قبل الشركات العقارية وأيضا توجه المستثمرين الأفراد الى شراء العقارات الاستثمارية ذات العوائد الجيدة للاستثمار الطويل وما يدلل على ذلك تصدر العقار الاستثماري لقيمة التداولات و تبدل المراكز بينه وبين العقار السكني لا سيما في الربع الأخير من عام 2024، وأيضا هناك توجه لاقتناص فرص لشراء فلل ذات عائد جيد جدا في مناطق السكن الخاص وتكون غير مخالفة لاشتراطات البناء بأنظمة البلدية، فنعتقد أن التوجه للاستثمار في عام 2025 حذر جدا ومدروس بشكل كبير لضمان توظيف الأموال بشكل آمن.