يشهد السوق العقاري في الكويت حالة من التفاوت في الأداء بين قطاعاته المختلفة، ففي الوقت الذي يلاحظ فيه انخفاض ملحوظ في القطاع السكني، تستمر العقارات الاستثمارية والتجارية في تسجيل ارتفاعات في الأسعار وزيادة في معدلات التداول.
ورغم حديث البعض المتزايد عن احتمال ركود او انهيار السوق، يؤكد عدد من الخبراء والمختصين لـ القبس أن ما يحدث لا يعدو كونه تصحيحاً طبيعياً للأسعار بعد فترة من الارتفاعات، مستبعدين حدوث انهيار فعلي كما يروّج له البعض عبر وسائل التواصل.
ويجمع المختصون على أن التراجع في القطاع السكني لا يمكن اعتباره انهياراً بالمعايير الاقتصادية، بل انعكاس لجملة من العوامل المؤقتة، منها ارتفاع الفوائد، وقيود التمويل، والعوامل النفسية المرتبطة بالأوضاع الإقليمية والتشريعية، كما شددوا على ضرورة الاعتماد على التحليل المهني والمصادر المتخصصة في تقييم حركة السوق، مؤكدين أن السوق ما زال يتمتع بعوامل استقرار قوية على المديين المتوسط والطويل.
بداية، قال الخبير العقاري سليمان الدليجان، هناك انخفاض في سوق العقار السكني، في حين تشهد العقارات الاستثمارية والتجارية ارتفاعاً ملحوظًا في التداولات وارتفاعًا في الأسعار، وبالرغم من أن الغالبية يتفق على تدني أسعار العقارات السكنية، إلا أن هذا الأمر يختلف من منطقة إلى أخرى ومن محافظة لأخرى، كما لوحظ تراجع في حجم التداول في هذا القطاع.
وتابع: بالنسبة لمسألة انهيار سوق العقارات، لا مؤشرات تدل على انهيار وشيك، فقد كانت هناك أحاديث قبل عامين عن احتمال حدوث انهيار، وعندما انخفضت الأسعار اعتبر البعض ذلك انهيارًا، لكن الانهيار يُعرَّف بانخفاض يتراوح بين 80 إلى 90 في المئة، وفي الواقع، يتراوح الانخفاض الحالي بين 10 إلى 15 في المئة. كما تراجعت الاسعار في بعض المناطق التي كانت فيها المضاربة عالية مثل صباح الأحمد البحرية أكثر من 15 في المئة، كما أن متوسط قيمة المنزل يبلغ نحو 400 ألف دينار، ومتوسط قيمة الأرض حوالي 300 ألف دينار، وانخفض التداول في القطاع السكني في عام 2024 من 60 في المئة إلى 40 في المئة.
وبين الدليجان ان عمليات الشراء مستمرة في القطاع السكني، إذ إن الناس لا يتوقفون عن التداول، حيث لا يشتري الجميع بغرض الاستثمار، ويعود انخفاض التداول في القطاع السكني إلى انسحاب بعض المستثمرين نحو قطاعات أخرى.
وأوضح أن العامل النفسي يلعب دورًا كبيرًا في السوق، فعندما تزداد الأحاديث عن الحروب على المستوى العالمي أو الحديث عن الإجراءات الحكومية المعتمدة أو المتوقع إقرارها على المستوى المحلي، يؤثر ذلك في الناس ويجعلهم يترددون في اتخاذ قرار الشراء، ويتراجع البعض عن الشراء.
في ما يتعلق ببعض الاستبيانات التي يجريها الأفراد، أكد أنه يجب توضيح الفئة المستهدفة التي ينطبق عليها الاستبيان، سواء كانت من داخل السوق أو خارجه، وينبغي أيضًا أن تتوافر مرجعية واضحة تستند إلى أرقام وبيانات دقيقة، ويجب أن يكون الناس حذرين في نقل المعلومات، كما يتطلب الأمر أن يتمتع المتحدثون في السوق، الذين يقومون بتقديم التوقعات والحلول، بمرجعية موثوقة تستند إلى بيانات وأرقام دقيقة.
ضبابية وترقب
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمنصة بوعقار، فهد المؤمن، إن السوق العقاري السكني يمر حالياً بحالة من الضبابية والترقب بين المتعاملين، وذلك نتيجة التوقعات السلبية والتكهنات بانخفاض أسعار العقار السكني، والتي يتم تداولها بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً من قبل غير المتخصصين في المجال العقاري، وهذا الكم من التصريحات والمعلومات غير الدقيقة تسبب حالة من التردد لدى الراغبين في شراء العقارات السكنية، نظراً للفوضى المعلوماتية التي تسود المشهد.
وبين إن ما يشهده السوق العقاري السكني حالياً، انخفاض طبيعي وليس انهياراً، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، من أبرزها ارتفاع معدلات الفائدة، ووقف التمويل السكني، إلى جانب الترقب لما قد يحدث في حال تم تطبيق ضريبة على الأراضي الفضاء، ورغم هذا الانخفاض التصحيحي في الأسعار، إلا أن السوق يشهد حركة تداول جيدة ونشاطاً ملحوظاً، واللافت أن أسعار العقارات السكنية لم تصل بعد إلى مستويات أسعار ما قبل جائحة كورونا، وهو ما يعزز الرأي القائل بأن ما يحدث تصحيح للأسعار، لا انهيار.
وأضاف: من يعتقد أن الانخفاض الحالي يُعدّ انهياراً أو بداية لانهيار، فهو يفتقر لفهم دقيق لطبيعة السوق العقاري، فالتجارب السابقة والتاريخ الطويل لهذا السوق يشهدان على صعوبة حدوث انهيار في الأسعار، خاصة في القطاع السكني، نظراً لما يتمتع به هذا القطاع من استقرار نسبي وثبات في الأسعار على المدى الطويل.
تصحيح طبيعي
بدورها، قالت رئيسة مجلس إدارة شركة سبيكة البحر العقارية، سبيكة البحر، إن السوق يمر بمرحلة تصحيح سعري طبيعي بعد موجة ارتفاعات سابقة، مع استمرار بعض المناطق في الحفاظ على قيمتها نتيجة الطلب الحقيقي وموقعها الاستراتيجي، أي ما يحدث حالياً لا يُعتبر «انهياراً» بالمعنى الاقتصادي، بل هو تصحيح سعري تدريجي، تتفاوت نسبته بحسب المنطقة ونوع العقار.
وأضافت: تتراوح نسبة الانخفاض بين 10 إلى 25 في المئة في بعض المناطق، وقد يكون أقل من ذلك في المناطق الحيوية والمطلوبة، لا توجد مؤشرات حالية تدل على انهيار شامل يفوق 40 في المئة أو انهيار سريع في كامل السوق.
وأشارت إلى وضع العقار السكني، قائلة انه يشهد تباطؤاً ملحوظاً في حركة الشراء والبيع، وذلك نتيجة عدة عوامل متراكبة، منها ارتفاع أسعار الفائدة وقيود التمويل العقاري التي قلّلت من قدرة الأفراد على الحصول على التمويل، وارتفاع تكاليف البناء والتطوير، ما أدى إلى إحجام بعض المطورين عن البدء في مشاريع جديدة، وتغير أنماط الطلب، حيث أصبح كثير من المشترين يبحثون عن عقارات أصغر أو في مناطق أبعد سعريًا، كما أن في بعض المناطق، العرض أصبح يفوق الطلب، ما يدفع الأسعار إلى التراجع التدريجي.
تماسك واستقرار
من جهته، أكد الباحث العقاري عبدالرحمن الحسينان، أن الحديث المتداول حول «انهيار محتمل» في أسعار العقارات لا يعكس الواقع الفعلي للسوق، مشدداً على أن السوق يشهد حالة من التماسك والاستقرار النسبي، دون مؤشرات حقيقية تدل على تراجع حاد أو انهيار وشيك.
وأوضح أن الكثير من التحليلات التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي حول هبوط الأسعار تصدر من أشخاص لا يملكون الخلفية التخصصية أو الدراية الكافية بسلوك السوق العقاري، ومثل هذه الطروحات تثير القلق من دون مبرر وتعتمد على الانطباعات لا على البيانات والتحليل المهني، مبينًا أن في دول الخليج، لا يُدلي بأي تصريحات تتعلق بالعقار أو الاقتصاد إلا من يحمل صفة الاختصاص والخبرة في المجال.
وأشار إلى أن القطاع العقاري يتأثر بعوامل اقتصادية وتشريعية معقدة، ولا يمكن الحكم على مستقبله بناءً على مؤشرات فردية أو اجتهادات غير مدروسة، ومن الضرورة الرجوع للمختصين وأهل الخبرة عند تقييم واقع السوق أو التنبؤ بتحركاته المستقبلية.
واضاف: من المهم بناء الثقة في السوق عبر نشر معلومات دقيقة وموثوقة، بعيداً عن التهويل أو التهوين، والسوق العقاري في الكويت ما زال يتمتع بأساسيات قوية تدعم استقراره على المديين المتوسط والطويل.
استقرار أسعار العقارات في المناطق الداخلية
قالت البحر: على الرغم من انخفاض الأسعار إلا أنه لا يمكن تعميم ذلك على كل المناطق، فبعض المواقع لا تزال تحافظ على استقرار نسبي بسبب ندرة الأراضي أو ارتفاع الطلب الحقيقي فيها فعلى سبيل المثال:
اولا: المناطق الداخلية (مثل العديلية، الجابرية، السالمية، الخالدية، كيفان، بيان...)، تتراوح أسعار الأراضي بين 400 إلى 800 ألف دينار حسب الموقع والمساحة، الطلب عال، لكن حركة البيع أبطأ بسبب ارتفاع الأسعار بداية هذا العام، أما الوضح الحالي فهناك استقرار في الأسعار، مع تراجع بسيط جداً لا يتعدى 5 إلى 10 في المئة في بعض المواقع، وتكون الفئة المشترية غالباً تسعى للسكن وليس المضاربة، وتتميز بـ:
1- مواقع استراتيجية قريبة من العاصمة والخدمات.
2- بنية تحتية مستقرة.
3- إقبال عالٍ من المواطنين، خصوصًا للسكن العائلي.
4- الاحتفاظ بالقيمة على المدى الطويل.
5- نُدرة الأراضي، ما يدعم السعر حتى وقت الركود.
ثانيًا: المناطق الجديدة (مثل صباح الأحمد، غرب عبد الله المبارك، الوفرة السكنية، الخيران السكني)، أراض تتراوح أسعارها بين 50 إلى 150 ألف دينار حسب الموقع والقرب من الطرق السريعة، وشهدت انخفاضا في الأسعار خلال العامين الماضيين بنسبة 15 إلى 30 في المئة في بعض المناطق، أما في الوضع الحالي فهناك ضعف في الطلب الحقيقي للسكن، ومعظم الشراء كان للمضاربة، كما أن بعض المشاريع بدأت تتحسن، لكن كثيرا من المناطق تعاني من قلة الخدمات، من مميزاتها:
1- أسعار أرخص بكثير، مناسبة للميزانيات المتوسطة.
2- مشاريع حكومية حديثة.
3- فرص استثمار مستقبلي إذا تحسنت البنية التحتية.