قادت فاجعة المنقف الحكومة والقطاع الخاص إلى اتباع مسار إجرائي إجباري لإعادة تنظيم المشهد العقاري «عمارات العزاب» والتخزيني في الكويت، ضمن نفضة مستحقة بمعايير جديدة كلياً تختلف عن المطبقة حتى أمس، ما سيترتب عليه تغييرات تنظيمية جوهرية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة التخزين وتأجير سكن عمالة الشركات، ومن ثم زيادة تسعير المناقصات المرتقب طرحها الفترة المقبلة تحت بند ارتفاع الجودة ومصاريف التشغيل.
وفي هذا الخصوص بدأت بعض التغيرات السوقية تبرز في الظهور سريعاً وفي مقدمتها الأسعار، حيث لحظ أن حريق المنقف أشعل أسعار تأجير متر المخازن النظامية إلى معدلات تقارب الضعف، مدفوعة بزيادة الاقبال من مستثمري هذا القطاع وتحديداً الذين كانوا جزءاً من تفشي فوضي المخازن العشوائية، فمع «تحمير العين» حكومياً على المخالفين زادت نسبة الهجرة العكسية من المخازن المخالفة إلى المستوفية للشروط بمعدلات كبيرة جداً تفادياً للوقوع في المخالفة التي تبدو هذه المرة أكثر جدية وموجعة للمخالفين.
إضافة إلى ما سبق واستقامة مع التوجهات الجديدة بضرورة أن يكون إشغال عمارات العمال بأعداد تنسجم مع معدلات الاستيعاب الطبيعية وليس تخزيناً للبشر، يمكن القول إن الطلب على عمارات سكن العزاب سيتضاعف الفترة المقبلة، على أساس أنه وحسب المتداول ونموذج عمارة المنقف يفوق إشغال الوحدة الواحدة ضعف الطبيعي، ما يعني أن نصف هذه العمالة سيجري نقلها إلى عمارات أخرى، وهنا سيزداد معدل الطلب، عن العرض، ليتحقق مع ذلك ارتفاع أسعار هذه العمارات.
تغيير المشهد العقاري
اعتبار إضافي سيسهم في تغيير المشهد في هذا الخصوص، حيث علمت «الراي» أنه تم الطلب من أصحاب العقارات التي تسكنها عمالة سرعة التعاقد بأسرع وقت مع شركات متخصصة بتركيب نظام إنذار للحرائق، وصيانتها بشكل دوري، والتأكد من سلامتها، مبينة أنه من ضمن الاشتراطات الجديدة أن تكون هذه الشركة مصنفة في الجهاز المركزي للمناقصات بهذا النشاط، وبذلك سيضاف إلى البنود التشغيلية لهذه الشركات رسوم جديدة. بالتعاقد مع شركة معتمدة من قبل الحكومة.
وأوضحت أيضاً أن هناك ضوابط جديدة من قبل القوى العاملة تحدد عدد العمالة في مساحات معينة، وهذا سيمنع تكدسها، إلا أنه على الجانب الآخر سيزيد التكلفة على الشركات التي ستضطر إلى استئجار عمارات أخرى لاستيعاب أعداد عمالها.
وفي حين ذكرت أن شريحة عمارات العزاب (التي تستأجرها الشركات عادة لموظفيها) ستواجه طلباً كبيراً، إلا أن هذا التكلفة ستكون مفيدة وستنصب في النهاية بصالح رفع جودة السكن للعمالة واحترام حقوقها.
وبالطبع وفي جميع الأحوال ستكون هذه التغيرات إيجابية للسوق، وفي مقدمتها ارتفاع التكلفة، سواء التخزينية أو لجهة قيم إيجار سكن العمالة، حيث سيضمن ذلك رفع الكفاءة التخزينية والمعيشية للعمالة، ما سيؤدي إلى تحسين تصنيف الكويت على المؤشرات العالمية، ومن ناحية ثانية انخفاض الانكشاف على المخاطر المحققة بسبب سوء إجراءات التخزين أو المعيشة.
وما يستحق الإشارة إلى أن حريق المنقف ورغم فاجعته إلا أنه أكد ضرورة حاجة الكويت الملحة لبناء مدن عمالية بمواصفات عالمية، وسرعة قيام الدولة بطرح مناطق لوجستية منظمة، تستقيم مع رؤيتها للتنمية 2035.
مخالفات بأماكن التخزين
من ناحيته توقّع الخبير العقاري قيس الغانم أن يكون هناك إقبال كبير على قطاع المخازن بعد الحملات التفتيشية التي تقوم بها وزارة الداخلية بالتعاون مع البلدية والإطفاء، مرجحاً في الوقت نفسه ارتفاع أسعار متر التخزين بنسب كبيرة لاسيما وأن غالبية العمارات الاستثمارية تنطوي على مخالفات خصوصاً في ما يخص التخزين.
ولفت الغانم في تصريح لـ«الراي» إلى أن الكويت تعاني أصلاً من شح المناطق التخزينية لأن إقامتها غير مسموح إلا في مناطق معينة، وعلى الحكومة أن تجد حلولاً سريعة لمواجهة موجة الانتقال من المخازن المخالفة في المناطق الاستثمارية، منوهاً إلى أن التجار الصغار والمتوسطين ستزيد عليهم التكلفة وسيجدون صعوبة في إيجاد مخازن لبضائعهم.
وأضاف أنه وفقاً لاحصائيات اتحاد العقاريين تناهز أعداد العقارات الاستثمارية في الكويت 13 ألف عمارة، لافتاً إلى أن شريحة واسعة منها مرهون للبنوك وتأثر مداخيلها بعد إزالة المخالفات سيؤثر على تقييماتها أمام المصارف بالتالي قد تضع يدها عليها.
وأشار الغانم إلى أن تجار العقارات سيواجهون صعوبات كبيرة الأشهر الثلاثة المقبلة، لاسيما أولئك الذين سمحوا بتأجير بعض الشقق كمخازن لبعض الجهات في ظل غياب الأعين الرقابية عنهم، وهذا قد يؤدي إلى إخلاءات بالجملة خلال الفترة المقبلة، مبيناً أن الكثير من تلك الشقق تلاعب أصحابها في تقسيمتها الداخلية وبالتالي يجب أن تعود إلى تقسيمتها المعتمدة في ترخيص البلدية ما سيقلل هذا الأمر من مداخيلها، فيما أكد أن الشدة مطلوبة ويجب أن تكون منظمة وهدفها الإصلاح.
غياب تشريعي ورقابي
من ناحيته، حدد الخبير العقاري سليمان الدليجان بعض الملاحظات تتعلق بغياب التنظيم التشريعي والرقابة، حيث أشار إلى أن نظام الإطفاء في الكويت غير ملزم في العمارات التي تقل عن 9 طوابق، بمعنى أن الطابق التاسع وما فوق ملزم بوضع أجهزة كشف الدخان في أعلى الجدران لإطلاق إنذار بوجود حريق وهذا النوع يساعد في انقاذ أرواح البشر، فيما الشقق تحت الدور التاسع، والسراديب مجبرة بوضع نظام مرشات اطفاء، ولكن من يتابع هذا الوضع؟.
ولفت إلى أنه لا توجد قاعدة بيانات إيجارية في الكويت تُبيّن عدد القاطنين في كل شقة من قبيل المعمول به في السعودية، والتي من خلالها يمكن إلزام ملاك العقارات الاستثمارية بعدد معين من السكان العزاب، مضيفاً أنه يفترض توثيق عقود الإيجار إلكترونياً لتنظيم بيانات المستأجرين وحصر أماكنهم وبناءً على ذلك يتم اصدار القوانين العقارية أو التعديل عليها.
وأشار الدليجان إلى أن نظام الرقابة عند البلدية والإطفاء غالباً ما يكون خلال البيع فقط. وأنه رغم ذلك لحظ زيادة حملات فرق البلدية والإطفاء أخيراً بالكشف على الأبنية المخالفة،غير أنه لا يوجد قانون بالسماح لدخول فرق البلدية الى العقارات المخالفة إلا إذا كانوا من حاملي صفة الضبطية القضائية المنوط بهم ضبط المخالفات.
من جانبه، قال رئيس اتحاد وسطاء العقار، عماد حيدر، إن المخازن شهدت خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً بأسعار متر التأجير بنحو 40 في المئة، متوقعاً أن تزيد هذه النسبة إلى 100 في المئة بالفترة المقبلة في حال لم توافر الدولة البدائل التخزينية لكثير من المستثمرين الذين كانوا يستخدمون سراديب العمارات المخالفة كمخازن.وفي حين أكد حيدر أن إزالة المخالفات خطوة في الاتجاه الصحيح، لفت في الوقت نفسه إلى ضرورة إعطاء أصحاب العقارات المخالفة مهلة كافية لإزالتها ومن ثم محاسبتهم حتى لا تودي هذه الصدمة إلى التأثير على المستهلك النهائي والذي سيتضرر جراء رفع بعض التجار لأسعار بضائعهم.
لائحة تسعير المخازن المتداولة قبل الحريق
قالت مصادر مطلعة لـ «الراي» إن لائحة تأجير المخازن مبني تحديدها على نوع النشاط، مبينة أن مخازن الشويخ والري والعارضية مخصصة للأمور الغذائية وتتراوح أسعار المتر فيها «قبل حريق المنقف» بين 4 إلى 7 دنانير حسب الارتفاع والتكييف المستخدم وغيرها، وتتراوح مساحاتها ما بين 500 إلى 1000 متر، مؤكداً صعوبة إيجاد مساحات صغيرة وفردية في تلك المناطق.
ولفتت إلى أن المواد الكيماوية والأصباغ تخزن في ميناء عبدالله، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن مخازن السيارات كذلك تتراوح بين 1.25 دينار و1.5.
47.5 مليون دينار تداولات المخازن في 5 أشهر
بلغت التداولات على المخازن خلال أول 5 أشهر من العام الجاري نحو 47.4 مليون دينار تمت على 7 مخازن فقط، وذلك وفقاً لآخر احصائيات التسجيل العقاري في وزارة العدل.
وتظهر هذه الأرقام ضعف الإقبال على هذه الشريحة من العقارات خلال الفترة الماضية، إلى جانب قلة عددها في الوقت نفسه، إلا أن هذا الأمر قد يشهد تغييرات خلال الفترة المقبلة بعد القضاء على المخالفات التخزينية الممنوعة في مناطق السكن الاستثماري.