أشار تقرير صدر حديثاً عن شركة «إي إف جي هيرميس» إلى أنه بعد توقف دام 8 سنوات، عادت الحكومة الكويتية للاقتراض من السوق المحلي، ما يشير إلى تحول في إستراتيجية إدارة المالية العامة. هذا التطور، المدعوم بسيولة مصرفية وفيرة وخطوات استباقية من البنك المركزي، يأتي بالتوازي مع جهود أوسع نطاقاً لإصلاحات مالية واقتصادية تهدف إلى تعزيز الإيرادات، وتحسين ديناميكيات الدين العام، ومعالجة التحديات الهيكلية في قطاعات حيوية كالإسكان والبنية التحتية.
وبحسب التقرير الذي جاء بعنوان: «المُضي قُدُماً في خطوات الإصلاح الكلي»، يظل حلّ التحديات في قطاع الإسكان أولوية رئيسية للحكومة، خصوصاً في ظل تقادم اللوائح السابقة التي لم تعد قادرة على تلبية الطلب المتزايد، مشيرة إلى أنه لا يزال هناك أكثر من 100 ألف طلب إسكاني معلق للمواطنين لدى المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وسط صعوبات في تخصيص الأراضي وتوفير التمويل.
وبيّن التقرير أن الحكومة نشرت أخيراً اللوائح التنفيذية لقانون جديد صدر في أواخر عام 2023، وهو ما يسمى «قانون المدن الإسكانية»، والذي يمثل تحولاً في نموذج الإسكان في البلاد من نظام «الأرض والقرض».
تعزيز دور «الخاص»
ولفت التقرير إلى أن هذا القانون يعزز دور القطاع الخاص في التنمية الحضرية، وهو دور كانت الدولة تقوم به بشكل منفرد سابقاً. كما يسمح بالبيع على الخارطة للوحدات السكنية تحت الإنشاء، محاكياً النموذج المطبق في المنطقة منذ سنوات.
وأفاد بأنه في أول تطبيق للقانون الجديد، وقعت المؤسسة العامة للرعاية السكنية في مارس عقد خدمات استشارية لتطوير ثلاثة مواقع سكنية، بهدف بناء 5000 وحدة. هذه المواقع الثلاثة لديها إمكانية لاستيعاب ما مجموعه 170 ألف وحدة سكنية، لكن الحكومة تبدأ بـ 5 آلاف وحدة كمشروع تجريبي لاختبار النموذج الجديد.
برامج تمويل
وتعتقد «هيرميس» أن حلّ هذه القضايا يتطلب المزيد من الوقت قبل أن تتمكن الحكومة من إقرار القطعة النهائية المفقودة في الإطار التشريعي للإسكان، ألا وهو قانون الرهن العقاري، والذي من شأنه أن يوفر برامج تمويل ميسورة التكلفة لمشتري المنازل.
وتهدف هذه الخطوة الحكومية الحذرة إلى ضمان توافر المعروض لتجنب ارتفاعات كبيرة في أسعار العقارات، إضافة إلى العمل على تنظيم لوائح حبس الرهن ونظام الدعم الذي يستفيد منه المواطنون. تحقيقاً لذلك، ترى «هيرميس» أن القانون الجديد سيلبي احتياجات الوحدات السكنية الجديدة فقط، حيث تم تخصيص الأراضي بالفعل ولكن التمويل لا يزال غائباً.
الاقتراض والدّين العام
وأوضح التقرير أن الحكومة الكويتية شرعت في الاقتراض من السوق المحلي في يونيو، لتنهي بذلك فترة توقف عن الاقتراض الداخلي استمرت قرابة ثماني سنوات. وتشير التقارير المحلية إلى أن إجمالي الاقتراض بلغ حتى الآن 600 مليون دينار. وقد تم استيعاب هذه الإصدارات بسهولة، مدفوعة بالسيولة الوفيرة في القطاع المصرفي، وإعداد بنك الكويت المركزي للساحة من خلال عمليات السيولة.
في سياق متصل، يُذكر أن الحكومة قد بدأت عملية لإصدار ديون في الأسواق الدولية، على الرغم من تأجيل الخطوات الأولية بسبب الاضطرابات الإقليمية. وتتوقع «هيرميس» أن يصل الاقتراض السنوي لهذا العام إلى 5 مليارات دينار، ما سيرفع إجمالي الدّين العام إلى 13.6 % من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية 2025 /2026، وإلى 17 % في السنة المالية 2026 /2027.
ولفتت «هيرميس» إلى قيام بنك الكويت المركزي بتخفيف شروط السيولة لتوفير الموارد اللازمة للبنوك لامتصاص الإصدارات القادمة. وقد عمد «المركزي» بشكل ملحوظ إلى تقليص إصداراته من سندات البنك المركزي، حيث خفّض الرصيد القائم بنحو الثلث خلال الأشهر الـ12 الماضية.
بالتوازي، قلّل «المركزي» من قبول الودائع تحت الطلب من البنوك، حيث تم تخفيض الرصيد من ذروته البالغة 2.6 مليار دينار في أوائل 2023 إلى الصفر في مارس من هذا العام. وقد أدت هاتان الخطوتان مجتمعتين إلى تحرير 2.1 مليار دينار من السيولة لصالح البنوك المحلية. وقد انعكس ذلك بالفعل في الودائع لأجل لدى البنوك، والتي قفزت بمقدار 1.5 مليار دينار.
سيولة وفيرة
ويتمتع القطاع المصرفي حالياً بسيولة وفيرة، حيث بلغ إجمالي أصوله 311 مليار دولار اعتباراً من مايو 2025. وهذا يضع القطاع في وضع مريح لاستيعاب إصدارات الدّين المحلي القادمة، في رأي «هيرميس».
في غضون ذلك، اعتبرت «هيرميس» إقرار قانون الدين العام إحدى خطوتين مهمتين اتخذتهما الحكومة أخيراً لتحسين ديناميكيات المالية العامة الأساسية، إذ يوفر قانون الدين مساراً أكثر استدامة وموثوقية للإنفاق المالي، مما يزيل المخاوف المتعلقة بالسيولة في ظل شبه استنزاف الأصول السائلة في صندوق الاحتياطي العام. ومن الواضح أن التمويل المضمون يمنح الحكومة القدرة على التخطيط بشكل أفضل لخططها الإنفاقية الاستثمارية.
الضرائب
بالإضافة إلى إقرار قانون الدين، اتخذت الحكومة خطوة مهمة ضمن جهودها للإصلاح المالي، تمثلت في فرض الحد الأدنى العالمي لضريبة الدخل على الشركات المحلية ذات العمليات الدولية. ومن المتوقع أن تدر هذه الخطوة إيرادات إضافية تقدر بـ 250 مليون دينار (0.5 % من الناتج المحلي الإجمالي). والأهم من ذلك، أن الحكومة اغتنمت هذه الفرصة لتوسيع قاعدتها الضريبية، مع وجود خطط لفرض ضريبة دخل الشركات متعددة الجنسية بنسبة 15 % اعتباراً من 2027.
وذكر التقرير أن هناك المزيد من الإصلاحات المالية قيد الإعداد، إلا أن الحكومة، واقتناعاً منها بالتقدم التدريجي المحقق حتى الآن، تبدو وكأنها تؤجلها للأعوام المقبلة. وقد صرحت وزيرة المالية بأن الوزارة قد أعدت قانون الضريبة الانتقائية– يُرجح أن تكون على التبغ والمشروبات السكرية – ويُتوقع أن تّدر الضريبة 200 مليون دينار كإيرادات سنوية. إلا أن الوزيرة لم تحدد جدولاً زمنياً لتطبيق الضريبة، ومما يلاحظ أن مشروع ميزانية السنة المالية 2025 - 2026 لم يتضمن إشارة إلى مثل هذه الخطوة.
وعلى الرغم من حجمها الصغير نسبياً، فإن خطوة تطبيق الضريبة الانتقائية تبعث إشارة إيجابية. وستكون هذه أول ضريبة تُفرض مباشرة على الأفراد، وبالتالي تُعرّف المواطنين بمفهوم الضرائب. علاوة على ذلك، كان فرض الضريبة الانتقائية نموذجاً متبعاً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبعتها ضرائب أخرى، أبرزها ضريبة القيمة المضافة.
ويتوافق تسلسل هذه الخطوات مع رؤية «هيرميس» بأن الحكومة تتبنى نهجاً تدريجياً للإصلاحات، خصوصاً تلك الإجراءات التي ستؤثر على المواطنين.
ويعتقد التقرير أن الحكومة ترغب أولاً في تعزيز النمو، وزيادة الوعي العام بالتحديات/التجاوزات المالية، بهدف بناء الثقة مع الجمهور، قبل أن تكون في وضع يسمح لها بتنفيذ إصلاحات مالية أكثر صرامة وبعيدة المدى، بما في ذلك خفض الدعم وإدخال ضرائب جديدة.
إصلاحات واسعة
بالإضافة إلى الجانب المالي، تدفع الحكومة كذلك باتجاه إصلاحات اقتصادية كلية أوسع نطاقاً، مع تركيز على قطاعات البنية التحتية، والإسكان، والضيافة. يهدف هذا النهج الإصلاحي في المقام الأول إلى معالجة التحديات العاجلة في القطاعات الرئيسية، ولم ينتقل بعد إلى رؤية أكثر شمولية.
ويشهد الإنفاق الاستثماري تصاعداً ملحوظاً، مع تركيز على قطاعي النقل والطاقة. كما يحظى قطاع الإسكان باهتمام كبير من الحكومة، نظراً للتحديات الواضحة فيه، حيث يوجد أكثر من 100 ألف طلب إسكاني معلق. وقد أدخلت الحكومة تشريعات جديدة تسمح، للمرة الأولى، بمشاركة القطاع الخاص في مشاريع التطوير العقاري الكبيرة. ومع ذلك، التحدي المتبقي يكمن في جانب التمويل، وتحديداً قانون الرهن العقاري.
نشاط المشروعات
وأفاد التقرير بأن البيانات المستجدة تشير إلى تسارع في وتيرة النشاط الاقتصادي، لا سيما على الجانب الاستثماري. فقد قفزت ترسيات المشاريع بنسبة 19 % لتصل إلى 8.7 مليار دولار في 2024، وذلك بعد زيادة بلغت 3.4 أضعاف في 2023. وقد حافظ قطاعا الطاقة والنقل على صدارتهما، مستحوذين على 46 % من الترسيات، بالإضافة إلى انتعاش حاد في قطاع الإنشاءات (بزيادة 6 أضعاف، وشكل 47 % من الإجمالي).
استمر هذا الزخم الإيجابي في 2025، حيث ارتفعت الترسيات بنسبة 39 % على أساس سنوي في النصف الأول من 2025، على الرغم من أنه من المرجح أن ينتهي العام بمستوى أقل نظراً للقاعدة المرتفعة بشكل استثنائي في النصف الثاني من عام 2024.
مشاريع بـ 19 مليار دولار في مرحلة تقييم العروض
لفت التقرير إلى أن حجم المشاريع قيد التنفيذ لا يزال كبيراً، حيث يوجد ما يقارب 19 مليار دولار أميركي من المشاريع حالياً في مرحلة تقييم العروض. بالتوازي مع ذلك، يشهد نمو الائتمان تسارعاً جيداً حتى الآن هذا العام، حيث بلغ نمو ائتمان الشركات السنوي 6.5 % بحلول مايو، مقارنة بمتوسط 2.2 % في 2024.
بالمقابل، لا تزال معنويات المستهلكين ضعيفة نسبياً، ويظهر ذلك جلياً في مؤشرات الائتمان الشخصي ومعاملات البطاقات.