يلعب المقاولون من الباطن دوراً حيوياً في تنفيذ المشاريع الحكومية، ويساهمون بشكل رئيسي في إنجاز الأعمال التقنية والعمليات الفرعية، ويعتمد عليهم لتحقيق أهداف المشاريع في الوقت المحدد والجودة المطلوبة، حيث يساهم مقاول الباطن في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وتسريع التنفيذ، ومن الناحية القانونية يلعب مقاول الباطن دوراً محورياً في تحديد العلاقة بين مالك المشروع والمقاول الرئيسي والمقاولين الفرعيين، إلا أن العديد من شركات المقاولة من الباطن تواجه تحديات كبيرة تتعلق بعدم حصولها على مستحقاتها، رغم تنفيذها التزاماتها كاملة، بسبب وجود ملاحظات أو خلافات بين الجهة الحكومية المالكة للمشروع والمقاول الرئيسي، والتي لا علاقة للمقاول من الباطن بها، وقد تكون بسبب مقاولين آخرين من الباطن، وتخضع عقود مقاولي الباطن للقوانين والأنظمة التي تنظم علاقته مع المقاول الرئيسي. إن عدم استلام مقاول الباطن مستحقاته في الوقت المحدد يعرضه لمخاطر مالية، ويؤثر على سيولته ويعرقل استمرارية العمل. ويحق للمقاول من الباطن المطالبة بكل المستحقات المالية مقابل الأعمال المنفذة وفقاً للعقد الموقع معه، وبما يتوافق مع بنود العقد والأطر القانونية المعمول بها، ويحق له الحصول على الضمانات والتأمينات التي تضمن حقوقه المالية خاصة عند وجود تأخير أو منازعات. وفي حال وجود ملاحظات أو اعتراضات على تنفيذ العمل يحق للمقاول من الباطن تقديم تظلمات وطلبات توضيح، والعمل على حل الخلافات بشكل ودي أو عبر الجهات المختصة. وإذا لم يتم صرف المستحقات أو استيفاء الشروط التعاقدية يحق للمقاول من الباطن التوقف عن العمل وفقاً لأحكام القانون، بعد إبلاغ المقاول الرئيسي ومالك المشروع رسمياً حتى تتم تسوية المبالغ المستحقة. ولكن من الناحية العملية تعاني هذه الشركات من عدم تسلم مستحقاتها من المقاول الرئيسي، الراسي عليه المشروع، رغم تنفيذ التزاماتها، والسبب أن الجهة الحكومية لا تقوم بصرف مستحقات المقاول الرئيسي لوجود ملاحظات وإشكاليات بين الجهة الحكومية مالكة المشروع والمقاول الرئيسي، ولا علاقة لمقاول الباطن بهذه الإشكاليات، حيث قام بتنفيذ التزاماته كاملة، وبالتالي يجب البحث عن المتسبب في ذلك بين مقاولي الباطن، ولا يجوز معاقبة كل مقاولي الباطن، فيجب السداد لمن ليست له علاقة بهذه الإشكاليات التي كانت السبب في عدم سداد الجهة الحكومية لمستحقات المقاول الرئيسي. إن ما يطالب به مقاولو الباطن هو مستحق وعادل، ويسرع في سداد مستحقاتهم، ويدفع بقدرة هذه الشركات على مواصلة العمل وأداء التزاماتها قبل الغير من الموردين والعاملين، لذا وجب النظر في هذا الأمر من حيث الموازنة بين حقوق مقاولي الباطن والجهة الحكومية مالكة المشروع. والأصل وفق النصوص القانونية لعقد المقاولة أنه يجوز للمقاول أن يستعين بمقاولي الباطن لتنفيذ أجزاء من عقد المقاولة، ولكن لا تؤثر المقاولة من الباطن في التزامات المقاول الأصلي قبل مالك المشروع، ويكون هذا الأخير مسؤولاً عن أعمال مقاول الباطن كاملة حتى لو تجزأ تنفيذ العمل على عدد من مقاولي الباطن، فإن الخلل في تنفيذ أي من مقاولي الباطن يؤثر على باقي مقاولي الباطن، ويحق بالتالي للجهة الحكومية عدم سداد المستحقات حتى تمام التنفيذ وفق شروط العقد، وهذا ما يشتكي منه مقاولو الباطن ويطالبون بإيجاد الحلول العاجلة، بحيث توقف دفعات مقاول الباطن المتسبب في وقف دفع مستحقات المقاول الرئيسي من الجهة الحكومية وليس جميع مقاولي الباطن. إلا أنه بالمقابل يجب الإشارة إلى أن عقد المقاول من الباطن مع المقاول الرئيسي منفصل عن عقد الأخير مع مالك المشروع، وبالتالي فإنه هو المسؤول عن سداد مستحقات مقاول الباطن وليس مالك المشروع، وبإمكان مقاول الباطن مطالبة المقاول الرئيسي مباشرة وإن لم يستلم هذا الأخير مستحقاته من الجهة الحكومية إذا كان هذا المقاول من الباطن ليس هو المتسبب في وقف دفعات المقاول الرئيسي، ومن ناحية أخرى وفق المادة 682 مدني يحق للمقاول من الباطن والعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول الأصلي في تنفيذ العمل أن يطالبوا رب العمل مباشرة (الجهة المالكة للمشروع) بما يستحق لهم قبل المقاول الأصلي في حدود ما يكون قد استحق لهذا الأخير، ويكون لحقوقهم هذه مرتبة الامتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلي أو للمقاول من الباطن، كما يجب أن تتضمن عقود المقاولة من الباطن شروطاً صارمة لضمان حقوق المقاول بما يشمل مواعيد التوقيع وأسس تسوية النزاعات وضمانات مالية قانونية تساند مقاول الباطن في المطالبة بحقوقه. ومن المؤكد أن سلوك هذا الطريق ليس محبذا عند مقاولي الباطن، لما يستغرقه التقاضي من وقت طويل يؤثر على أوضاعهم المالية، وعلى أعمالهم، ومن هذا المنطلق يجب إيجاد حلول مباشرة وجهة تنظيمية تراقب تنفيذ العقود، وتضمن حقوق المقاولين من الباطن، وتفرض العقوبات على الجهات المخالفة، بحيث يمكن لمقاول الباطن استلام مستحقاته مباشرة من الجهة الحكومية إذا قام بتنفيذ التزاماته كاملة، ولم تكن الأعمال التي قام بها تؤثر على المشروع من الناحية الفنية.
مصدر الأخبار https://www.aljarida.com/article/104587